منصة ناجز وطرق التقاضي الإلكتروني في المملكة العربية السعودية
تتابع المملكة العربية السعودية تحولها الرقمي في مختلف القطاعات العامة، وكان قطاع العدالة واحدًا من القطاعات التي شهدت تطويرًا متسارعًا. على رأس أدوات هذا التحول تقف "منصة ناجز" كواجهة إلكترونية مركزية لخدمات القضاء والعدالة، تهدف إلى تسهيل وصول المستخدمين إلى الخدمات القضائية، وتقليل زمن الإجراءات، وتحسين مستوى الشفافية في مسارات التقاضي. هذا المقال يقدّم عرضًا عمليًا ومفصّلاً لمنصة ناجز، والخدمات المرتبطة بها، وكيفية الاستفادة منها بفعالية من جانب المحامين والمستشارين القانونيين، مع شرح لطرق التقاضي المتاحة في المملكة في ضوء المستجدات التقنية.
مفهوم منصة ناجز وموقعها في النظام القضائي
منصة ناجز ليست مجرد موقع إلكتروني بل هي منظومة خدمات متكاملة تربط بين جهات القضاء، المحامين، المواطنين، والجهات الحكومية المختصة. تعمل المنصة كقناة رسمية لتقديم صحائف الدعاوى، متابعة القضايا، تنفيذ الأحكام، إصدار التبليغات الرقمية، وتقديم خدمات التوثيق والوقائع. إدراج هذه المنصة ضمن بنية العمل القضائي يهدف إلى تحويل عدد من الإجراءات الروتينية إلى عمليات رقمية مؤتمتة، مما يسهم في تسريع إنجاز القضايا وتخفيف العبء الإداري.
الخدمات الأساسية التي تقدمها ناجز
تشتمل الخدمات الأساسية في ناجز على عدد من الخدمات التي تتعلق مباشرة بمسار التقاضي، ونذكر أهمها:
- صحيفة الدعوى الإلكترونية: تتيح رفع صحيفة الدعوى كاملاً مع المرفقات وتحديد المحكمة المختصة وسداد الرسوم إن وجدت.
- التقاضي الإلكتروني (الترافع الكتابي): يسمح بتقديم المذكرات والدفوع والمستندات خطيًا عن طريق المنصة دون الحاجة إلى حضور مادي في بعض الحالات التي تسمح بها لائحة المحكمة.
- خدمات التبليغ الإلكتروني: إرسال الإشعارات والأوامر القضائية بطريقة رسمية الى الأطراف عبر القنوات الرقمية.
- خدمات التنفيذ الإلكترونية: متابعة أوامر التنفيذ وإجراءات الحجز، وإحالة الأمور إلى كتاب التنفيذ zgod مع إمكانيات إصدار الأوامر آليًا.
- خدمات التوثيق والاعتمادات: تسهيل إجراءات توثيق العقود والوثائق وربطها بسجلات رسمية.
آلية الوصول إلى المنصة ومتطلبات النفاذ
لاستعمال ناجز يجب أن يتوافر لدى المستخدم حساب موحّد عبر خدمة «النفاذ الوطني الموحد»، وهي بوابة توحيد الهوية الرقمية للخدمات الحكومية. عند الربط بالنفاذ يحصل المستخدم على مستوى وصول يتيح له الدخول إلى خدمات ناجز المناسبة (مواطن، مقيم، جهة حكومية، أو محامٍ مرخّص). تتطلب بعض الخدمات مصادقة إضافية أو ربطًا بالسجل المهني للمحامين لمنحهم صلاحيات رفع القضايا نيابة عن الموكلين.
خطوات عملية لرفع صحيفة دعوى إلكترونيًا
عملية رفع صحيفة الدعوى عبر ناجز تتبع خطوات منهجية تضمن قبول الملف وتفادي الأخطاء الشكلية. ويمكن تلخيصها في الخطوات الآتية:
- الدخول إلى حساب المستخدم عبر النفاذ الوطني الموحد.
- اختيار خدمة "صحيفة الدعوى" من قائمة الخدمات القضائية.
- ملء بيانات الدعوى الأساسية: أسماء الأطراف، الوقائع، المطالب، وتحديد المحكمة المختصة.
- إرفاق المستندات الثبوتية بصيغ معتمدة (عادة PDF) وذكرها ضمن مرفقات الدعوى.
- مراجعة البيانات والتأكد من صحة التبليغات والعناوين، ثم إرسال الصحيفة وختمها بتوقيع إلكتروني إن تطلب النظام.
- حفظ رقم الطلب ونسخة من إشعار الاستلام لمتابعة حالة القيد والردود اللاحقة.
التقاضي الكتابي (الإلكتروني) ومجالاته
التقاضي الكتابي عبر ناجز هو أسلوب يسمح بتقديم المرافعات والمذكرات كتابيًا دون حضور المرافعة شفوياً. هذا الأسلوب ملائم للعديد من القضايا التي تعتمد على مستندات واضحة مثل قضايا المطالبات المالية والعقود والالتزامات المكتوبة. مرونة التقاضي الكتابي تكمن في أنه يقلل زمن التبادل الإجرائي بين الجهات ويتيح للقاضي وقتًا كافياً لدراسة الملفات دون انقطاع. لكن يجب التنبيه إلى أن القاضي يملك سلطة طلب جلسة شفهية إذا رأت المحكمة أن القضية تتطلب توضيحًا أو استجواب شهود.
الإثبات الرقمي ومتطلبات قبول الأدلة الإلكترونية
واحدة من القضايا الجوهرية في تقاضي النمط الرقمي هي كيفية التعامل مع الأدلة الإلكترونية. تشمل الأدلة الرقمية: رسائل البريد الإلكتروني، سجلات الأنظمة، المستندات الممسوحة ضوئيًا، والبيانات البنكية الإلكترونية. لقبول هذه الأدلة ينبغي أن يستوفى شرطان أساسيان: صحة المصدر وعدم التلاعب. لذلك، قد يلزم الاستعانة بخبراء تقنيين لإعداد تقارير توضح آلية الحصول على الدليل وسلامة سلسلة الحفظ، وهو ما يعزز فرص قبول الدليل أمام المحكمة.
الفرق بين الطرق التقليدية والطرق الإلكترونية للتقاضي
الطريقة التقليدية تعتمد على الأوراق والحضور الشخصي والإجراءات الورقية الاعتيادية. أما الطريقة الإلكترونية فتعتمد على رفع المستندات عبر ناجز والتبليغ الإلكتروني والجلسات الافتراضية حيثما تسمح المحاكم. التحول الإلكتروني يوفر وقتًا وموارد، لكنه يفرض تحديات تقنية وقانونية تتعلق بالأمن والخصوصية وموثوقية الأدلة. غالبًا ما يكون الحل الأمثل مزيجًا بين الطريقتين وفقًا لطبيعة كل قضية.
صلاحيات المحامين على المنصة وكيفية العمل نيابة عن الموكل
للمحامين المسجَّلين صلاحيات إضافية تتيح لهم رفع القضايا باسم موكليهم، وتمكينهم من الاطلاع على ملفات الدعوى والتعامل مع الإشعارات. يتطلب ذلك ربط الحساب بالسجل المهني والحصول على تفويض إلكتروني من الموكل في بعض الحالات. تعمل هذه الصلاحيات على تسهيل العمل المتخصّص وتقليل الحاجة لحضور الموكل الشخصية في المراحل الشكلية.
كيفية التعامل مع طلبات المحكمة وآليات الرد الإلكتروني
بعد رفع الصحيفة قد تطلب المحكمة مستندات إضافية أو توضح نقصًا شكليًا. يوفر ناجز آليات لإخطار المحامي أو المدعي مباشرة، ومن ثم رفع المستندات المطلوبة عبر نفس الواجهة. من الضروري مراقبة الإشعارات والتعامل معها خلال المهل المحددة لتجنب رفض الطلبات لعيوب شكلية.
التنفيذ الإلكتروني: من الحكم إلى التنفيذ
عند صدور حكم قابل للتنفيذ، تُظهر ناجز واجهات تتيح تحويل الحكم إلى إجراءات تنفيذية، وطرح طلبات الحجز أو البيع بالمزاد إن لزم. ربط نظام التنفيذ بالمنصة يقلل الوقت اللازم لبدء إجراءات التنفيذ ويزيد من كفاءة المتابعة.
الحكم القضائي الإلكتروني وإصداره
تدعم المنصة أنظمة إصدار الأحكام إلكترونيًا بعد الانتهاء من المرافعات، ويصبح الحكم قابلاً للتنزيل بصيغة رسمية. هذا يسهل على المحكمة والمواعيد التنفيذية متابعة المآخذ وتطبيق الأحكام دون الحاجة لنسخ ورقية متعددة.
التحديات الأساسية أمام التحول الرقمي في العدالة
تتمثل التحديات في محورين: تقني وتشريعي. من الناحية التقنية هناك حاجة متواصلة لتأمين البيانات، توفير بنية تحتية قوية، وضمان قدرة المستخدمين على الوصول. من الناحية التشريعية، تحتاج النصوص القانونية وإجراءات الإثبات إلى مزيد من التكييف لاستيعاب الأدلة الرقمية وقبولها بأطر واضحة تحمي الحقوق وتمنع التلاعب.
ممارسات مهنية يوصى بها للمحامين عند استخدام ناجز
ينبغي للممارسين القانونيين اتباع ممارسات تضمن سلامة الملفات الرقمية مثل تبويب الملفات وتسميتها بوضوح، الاحتفاظ بنسخ احتياطية، التأكد من جودة الممسوح ضوئيًا، والتعاون مع خبراء رقميين عند الحاجة إلى إثباتات تقنية. كذلك يجب الانتباه لمهل المراجعة والرد عبر المنصة.
خلاصة
منصة ناجز تمثّل نقلة نوعية في منظومة العدالة السعودية، إذ تيسّر الوصول إلى الخدمات القضائية وتعمل على تسريع الإجراءات. مع ذلك يبقى العامل البشري والخبرة القانونية والالتزام بالإجراءات الأساسية محوريين لنجاح التقاضي عبر القنوات الرقمية. إن مزج الاجتهاد التقني مع الحكمة القانونية هو السبيل الأمثل لضمان تحقيق العدالة بكفاءة وشفافية.
إعداد وتحرير: المستشار القانوني مصعب عادل