أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

📁 آخر الأخبار

الإجراءات العملية لسماع الدعوى المدنية في المحاكم السودانية دراسة تطبيقية عملية للمحامين تحت التمرين

الإجراءات العملية لسماع الدعوى المدنية في المحاكم السودانية
دراسة تطبيقية  عملية للمحامين تحت التمرين 

تنويه: المعلومات الواردة في هذا المقال لأغراض تعليمية واستشارية واخباريه فقط، ولا تُعد بديلاً عن استشارة محامي معتمد

بقلم المستشار /مصعب عادل 
مستشار قانوني بوزارة العدل 

المقدمة

يُعد سماع الدعوى المدنية أمام المحاكم السودانية من أهم مراحل التقاضي، حيث يتجسد فيه مبدأ المواجهة بين الخصوم، ويتم فيه عرض الوقائع والأدلة والشهادات بصورة مباشرة أمام القاضي. هذه المرحلة ليست مجرد إجراء شكلي، بل هي المحك الحقيقي الذي تتحدد على أساسه قناعة المحكمة ومن ثم حكمها.

المحامي، خصوصاً في بداية مسيرته المهنية، يحتاج إلى إدراك عملي دقيق لكيفية إدارة الدعوى في هذه المرحلة: من أين يبدأ، متى يتكلم، كيف يستجوب الشهود، وما هي حدود تدخّل القاضي. هذا المقال يقدم دراسة تطبيقية شاملة ومفصلة، تستند إلى قانون الإثبات لسنة 1994 وقانون الإجراءات المدنية لسنة 1983، وتستعين بسوابق قضائية وأمثلة عملية لتسهيل الفهم.


أولاً: الإطار القانوني المنظم لسماع الدعوى

1. قانون الإجراءات المدنية لسنة 1983

هذا القانون يحدد:

  • كيفية رفع الدعوى وإعلانها.
  • إجراءات التحضير.
  • كيفية سماع البينات والفصل في الدعوى.

2. قانون الإثبات لسنة 1993

هذا القانون يضع:

  • طرق الإثبات (الشهادة، المستندات، الإقرار، الخبرة، القرائن).
  • القواعد المتعلقة بسماع الشهود واستجوابهم.
  • الضوابط الخاصة بعبء الإثبات.

3. مبدأ حياد القاضي

القاضي السوداني ملزم بالحياد، لكنه ليس سلبياً؛ إذ يملك سلطة ضبط الجلسة وطرح الأسئلة لاستجلاء الحقيقة.ث

ثانياً: تحديد عبء الإثبات وأثره على ترتيب السماع

1. القاعدة العامة

  • إذا كان عبء الإثبات على المدعي: تُسمع قضية الادعاء أولاً (المدعي أو وكيله ثم شهود الادعاء).
  • إذا كان عبء الإثبات على المدعى عليه: تُسمع قضية الدفاع أولاً (المدعى عليه أو وكيله ثم شهود الدفاع).

2. الحكمة من القاعدة

  • من يحمل عبء الإثبات هو من يبدأ بعرض دعواه، حتى لا يُرهق الخصم بإثبات عكس ما لم يُثبت بعد.
  • هذا يتفق مع القاعدة الفقهية: البينة على من ادعى واليمين على من أنكر.

3. تطبيق قضائي

قضت المحكمة العليا في الطعن رقم م ع/ط أ/345/2001:

من يحمل عبء الإثبات هو من يبدأ بتقديم قضيته كاملة، سواء كان مدعياً أم مدعى عليه، وعلى المحكمة أن تنظم الإجراءات وفق ذلك.


ثالثاً: الخطوات العملية لبدء سماع الدعوى

بعدا ان يقوم القاضي بصياغة نقاط النزاع نكون أمام خيارين 

1. سماع المدعي  أو وكيله

اذا قرر القاضي أن  عبء الإثبات يقع علي الدفاع 
  • يتحدث المدعي أو وكيله أولاً  ويقوم بتقديم دعواه.
  • يعرض ملخص دعواه، الأساس القانوني، والمستندات.
  • يحدد الشهود الذين ينوي استدعاءهم

2. سماع المدعى عليه أو وكيله

اما اذا كان عبء الإثبات يقع علي الدفاع عليه ان :
  • يقدم رده على الدعوى بواسطة اسئلة يقدمها له محاميه .
  • يوضح دفوعه القانونية (شكلية أو موضوعية).
  • يبين إذا كان سيقدم شهوداً أو مستندات.

3. الانتقال للبينات

بعد سماع أقوال الطرفين، تبدأ المحكمة في سماع الشهود وفق الترتيب الصحيح حسب عبء الإثبات.

إضغط هنا لقراءة القول في سماع الدعوى


رابعاً: الاستجواب الرئيسي (Examination-in-Chief)

1. التعريف

هو الاستجواب الذي يجريه المحامي الذي استدعى الشاهد بغرض إثبات وقائع قضيته.

2. ضوابطه

  • يمنع فيه استخدام الأسئلة الإيحائية (إلا في الأمور التمهيدية).
  • يجب أن تركز الأسئلة على وقائع الدعوى.
  • يكتب القاضي إجابات الشاهد في المحضر.

3. مثال تطبيقي

إذا كان المدعي يطالب بدين:

  • يبدأ محاميه بسؤال الشاهد: "هل كنت حاضراً عند تسليم المبلغ؟"
  • الشاهد يجيب، وتُسجل الإجابة في المحضر.

4. نص قانوني

مواد   قانون الإثبات:

"على الخصم الذي يستدعي الشاهد أن يوجه إليه أسئلة في حدود وقائع الدعوى، ولا يجوز له أن يلقنه الإجابة."


خامساً: الاستجواب المضاد (Cross-Examination)

1. التعريف

هو استجواب الشاهد من قبل الخصم الآخر لاختبار صدقه وتفنيد أقواله.

2. أهدافه

  • كشف التناقضات.
  • إظهار المصلحة أو التحيز.
  • إضعاف الشهادة.

3. ضوابطه

  • يجوز فيه طرح الأسئلة الإيحائية.
  • يجب أن يلتزم بموضوع الدعوى.
  • للقاضي أن يمنع أي سؤال متعسف.

4. تطبيق عملي

في قضية نزاع ملكية أرض، إذا قال الشاهد إنه رأى المدعي يزرع الأرض، يمكن لمحامي المدعى عليه أن يسأله:

  • "أليس صحيحاً أنك موظف عند المدعي وتتقاضى منه راتباً؟"

5. سابقة قضائية

في الطعن مدني/233/1999، أكدت المحكمة العليا أن:

"الاستجواب المضاد حق أصيل للخصم، وحرمانه منه إخلال بحق الدفاع يبطل الحكم."


سادساً: إعادة الاستجواب (Re-Examination)

1. التعريف

هو الاستجواب الذي يجريه الخصم المستدعي للشاهد بعد انتهاء الاستجواب المضاد.

2. الهدف

  • توضيح المسائل التي أثيرت أثناء الاستجواب المضاد.
  • إعادة الشهادة لمسارها الصحيح.

3. الضوابط

  • يقتصر على ما أثير في الاستجواب المضاد.
  • لا يجوز طرح أسئلة جديدة عن موضوع لم يُناقش.

4. مثال عملي

إذا سُئل الشاهد في الاستجواب المضاد عن صلته بالمدعي، يمكن لمحامي المدعي في إعادة الاستجواب أن يسأل:

  • "هل صلتك بالمدعي أثرت على شهادتك في الواقعة؟"

سابعاً: الاستجواب بواسطة المحكمة

1. الأساس القانوني

القاضي يملك سلطة طرح الأسئلة متى رأى ضرورة لذلك. 

2. صور التدخل

  • طرح أسئلة لتوضيح الغموض.
  • منع الأسئلة الخارجة عن الموضوع.
  • ضبط سير الجلسة.

3. مثال عملي

قد يسأل القاضي الشاهد: "هل كنت موجوداً في نفس المكان ساعة الواقعة؟" لتأكيد عنصر جوهري.


ثامناً: سماع الشهود وفق عبء الإثبات

1. قضية الادعاء

  • يبدأ المدعي أو وكيله.
  • تُسمع شهادة الشهود واحداً تلو الآخر.
  • يخضع كل شاهد للاستجواب الرئيسي ثم المضاد ثم إعادة الاستجواب.

2. قضية الدفاع

  • يبدأ المدعى عليه أو وكيله إذا كان عبء الإثبات عليه.
  • يتم استدعاء شهود الدفاع وسماعهم بنفس الترتيب.

3. مثال تطبيقي

  • في دعوى مطالبة مالية: المدعي يقدم شهوده على واقعة التسليم.
  • في دعوى ملكية أرض: المدعى عليه قد يحمل عبء الإثبات إذا ادعى ملكية بالتقادم، فيبدأ بشهوده.

تاسعاً: التحديات العملية في المحاكم السودانية

  1. طول أمد التقاضي بسبب كثرة الشهود وتأجيل الجلسات.

  1. ضعف مهارات بعض المحامين في فنون الاستجواب.

  1. تدخل الخصوم مباشرة أثناء الاستجواب مما يربك المحامي الجديد.

  1. التأثيرات الخارجية مثل الضغوط الاجتماعية أو القبلية على الشهود.


عاشراً: نصائح عملية للمحامين تحت التمرين

  1. حضّر أسئلتك مسبقاً، ورتبها من العام إلى الخاص.
  2. لا تطرح سؤالاً لا تعرف إجابته في الاستجواب المضاد.
  3. راقب رد فعل القاضي أثناء الاستجواب، فقد يشير لخط سير معين.
  4. تعلّم فن الاعتراض (Objection) في الوقت المناسب على الأسئلة المخالفة للقانون.
  5. احرص على هدوء أعصابك، فالاستجواب معركة أعصاب أكثر من كونه مجرد أسئلة.

الخاتمة

سماع الدعوى المدنية أمام المحاكم السودانية عملية دقيقة تستند إلى مبدأ أساسي: من يحمل عبء الإثبات هو من يبدأ بعرض قضيته كاملة، سواء كان مدعياً أو مدعى عليه. ثم تتدرج الإجراءات عبر الاستجواب الرئيسي، الاستجواب المضاد، إعادة الاستجواب، وصولاً إلى استجواب المحكمة.

هذه المراحل ليست ترفاً إجرائياً، بل هي ضمانات لتحقيق العدالة، ووسيلة تمكّن القاضي من تكوين عقيدته على بينة واضحة. والمحامي الناجح هو من يُحسن استثمارها، ويستطيع أن يحولها إلى أداة لخدمة موكله دون إخلال بحق الخصم أو تجاوز للقانون.

وبالنسبة للمحامين تحت التمرين، فإن إتقان هذه المهارات العملية، مع الالتزام بالقواعد القانونية، هو الخطوة الأولى نحو بناء مهنة قوية قائمة على الحرفية والدقة والعدالة.

يمكنك تحميل قانون الإجراءات المدنية لسنة 1983 تعديل 2009م  من هنا

Your Legal Advisor مستشارك القانوني
Your Legal Advisor مستشارك القانوني
تعليقات