أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

📁 آخر الأخبار

أزمة الكوادر: كيف يقتل غياب التنازل روح المؤسسات؟

 أزمة الكوادر: كيف يقتل غياب التنازل روح المؤسسات؟

تنويه: المعلومات الواردة في هذا المقال لأغراض تعليمية واستشارية واخباريه فقط، ولا تُعد بديلاً عن استشارة محامي معتمد



بقلم المستشار القانوني /مصعب عادل

المستشار القانوني بوزارة العدل 

المقدمة

ليست الموارد المالية وحدها هي التي تحدد قوة المؤسسات أو ضعفها، بل إن الإدارة تظل العامل الأهم في نجاح أو فشل أي مؤسسة. لكن واقع الحال في السودان يكشف أزمة مركبة: نقص الكوادر المؤهلة من ناحية، وتمسك بعض الإداريين بمناصبهم رغم ضعف الخبرة أو بلوغهم سن المعاش من ناحية أخرى. هذه الأزمة لا تقتل روح المؤسسات فحسب، بل تهدر حقوق الأجيال الجديدة وتكرس ثقافة الجمود بدل التطوير.

التنازل فضيلة غائبة

التنازل عن الإدارة عند نقص الخبرة أو فقدان القدرة ليس هزيمة، بل فضيلة إدارية تعكس وعي المسؤول بحدود قدراته. القوانين السودانية مثل قوانين الخدمة المدنية تشترط الكفاءة لشغل الوظائف، و تؤكد على وجوب توافر الخبرة في القيادات التنفيذية، وتؤكد أن الإدارة تكليف لا تشريف. لكن غياب ثقافة التنازل جعل بعض المناصب تتحول إلى ملكية خاصة، يرتبط بقاؤها بشخص المسؤول لا بمصلحة المؤسسة.

اللجوء إلى المعاشيين… حل مؤقت أم مأزق دائم؟

من أبرز عيوب غياب التنازل ونقص الكوادر أن بعض المؤسسات تلجأ إلى استبقاء المعاشيين أو إعادتهم بطرق مباشرة وغير مباشرة، رغم أن قانون الخدمة المدنية يمنع ذلك إلا في حالات استثنائية. هذه الممارسة قد تُسهم مؤقتًا في سد الفراغ، لكنها:

تهضم حقوق الشباب المتخرجين حديثًا الذين ينتظرون فرصتهم الطبيعية في العمل.

تكرس عقلية "الاعتماد على القديم"، وتحرم المؤسسات من دماء جديدة بأفكار حديثة.

تجعل بعض المعاشيين يتمسكون بالمناصب بدافع الأنانية أو المصلحة الشخصية، حتى وإن فقدوا القدرة على العطاء.

بلوغ سن المعاش وفقدان الحافز

الواقع أن كثيرًا من الإداريين عند بلوغهم سن المعاش يفقدون الحافز للتطوير أو النهوض بالمؤسسة، إذ يرون أنفسهم في نهاية المسيرة لا بدايتها. ورغم ذلك، يتمسكون بالمواقع بطرق قد تصل إلى التحايل على القانون، عبر عقود استشارية أو ترتيبات شكلية. النتيجة هي مؤسسات تُدار بعقلية الماضي، بلا طموح ولا رؤية للمستقبل.

غياب التدريب والبعثات… إدارة خارج الزمن

من أسباب تعميق الأزمة أن المؤسسات لا تستثمر في الدورات التدريبية أو البعثات الدراسية التي تُعيد تأهيل القيادات وتُحدث معارفهم. ونتيجة لذلك، فقدت الإدارة السودانية في مواقع عديدة مقدرتها حتى على:

صياغة القرارات بشكل قانوني سليم.

كتابة الخطابات الرسمية بلغة مهنية واضحة.

مواكبة التطور التقني في أنظمة الإدارة الإلكترونية، والتواصل المؤسسي الحديث.

وبالتالي، يصبح من الطبيعي أن تتحول بعض الإدارات إلى مجرد مكاتب روتينية عاجزة عن التفكير الاستراتيجي أو التفاعل مع المتغيرات.

صدام الأجيال… حماس الشباب في مواجهة جمود الكبار

وجود الكوادر الشابة ورغبتها في الابتكار والتطوير غالبًا ما يصطدم بجدار من الجمود لدى من هم على رأس الإدارة. فبدلاً من أن يُنظر إلى مقترحات الشباب باعتبارها فرصًا للتجديد، تُعتبر عبئًا على الخزينة أو "ترفًا إداريًا" لا معنى له. هذا الموقف السلبي يُفقد الشباب حماسهم، ويجعلهم يشعرون أن أي جهد للتطوير محكوم عليه بالفشل قبل أن يبدأ. وهكذا تضيع فرصة ذهبية لربط خبرة الكبار بحماس الشباب لبناء مستقبل أفضل للمؤسسات.

أثر غياب التنازل على المؤسسات

جمود وتراجع الأداء: لأن القيادة فقدت الرغبة والقدرة معًا.

إضعاف ثقة الشباب: حين يرون أن الأبواب موصدة أمامهم، يفقدون الحافز على الإبداع.

إهدار الطاقات الوطنية: آلاف الخريجين الجدد يقبعون بلا وظائف بينما يُعاد تشغيل من أنهوا خدمتهم.

فقدان المواكبة: غياب التدريب يجعل بعض المسؤولين عاجزين حتى عن صياغة خطاب إداري بسيط.

قتل روح المبادرة: مقترحات الشباب تتبدد في صمت تحت سقف إدارات عاجزة عن التغيير.

نحو ثقافة مؤسسية جديدة

الحل لا يكمن في القوانين وحدها، بل في زرع ثقافة مؤسسية جديدة تجعل من التنازل عن المنصب عند غياب الكفاءة أو بلوغ سن الخدمة فعلًا طبيعيًا. الحل يبدأ بفتح الأبواب أمام الشباب وتأهيلهم لقيادة المؤسسات، مع وضع برامج تدريبية مستمرة وضوابط صارمة تمنع التحايل على سن المعاش. عندها فقط يمكن أن تتحول المؤسسات إلى كيانات حيّة، تُدار بالكفاءة والطاقة المتجددة لا بالاعتياد والجمود.

💬 تعليق موقع مستشارك القانوني | Your Legal Advisor:

يأتي هذا المقال ليضع يده على واحدة من أكثر القضايا حساسية في الإدارة السودانية المعاصرة، وهي أزمة غياب التنازل الإداري وضعف تجديد الدماء في المؤسسات.

الكاتب المستشار مصعب عادل استطاع أن يقدّم قراءة دقيقة ومؤلمة في آنٍ واحد لواقعٍ تتقاطع فيه ثلاث مشكلات متجذّرة: نقص الكوادر المؤهلة، والتمسك المرضي بالمناصب، وغياب ثقافة التوريث الإداري السليم.

لقد أضاء المقال ببراعة على مفهومٍ يُعدّ من ركائز الحوكمة الحديثة، وهو أن الإدارة تكليف وليست تشريفًا، وأن الكفاءة لا تُقاس بالعمر أو الأقدمية، بل بالقدرة على العطاء والتجديد. ومع ذلك، فإن مؤسساتنا — كما أشار الكاتب — كثيرًا ما تتحول فيها المناصب إلى "ممتلكات شخصية"، يُدافع عنها البعض بكل الوسائل حتى بعد فقدان القدرة على الأداء، وهو ما يُمثل خللًا قانونيًا وأخلاقيًا وإداريًا في آنٍ واحد.

ما يميز هذا الطرح أنه لم يكتفِ بالنقد، بل ربط بين النصوص القانونية في قوانين الخدمة المدنية السودانية التي تحظر استمرار الموظف بعد بلوغ سن المعاش إلا في أضيق الحدود وبشروط استثنائية واضحة، وبين الواقع المؤسف الذي يشهد في كثير من الأحيان تجاوزًا صريحًا لهذه الضوابط عبر التحايل بالعقود أو التعيينات الاستشارية الشكلية.

وهنا يُبرز الكاتب بوضوح أن مثل هذه الممارسات لا تضر فقط بالمؤسسة، بل تُسهم في هدر الفرص أمام الكوادر الشابة التي تمثل المستقبل الحقيقي لأي جهاز إداري.

ومن الجوانب المضيئة في المقال أيضًا تناوله لفكرة "فقدان الحافز بعد سن المعاش"، وهي زاوية قلّما تُطرح في الكتابات الإدارية، حيث بيّن أن بعض القيادات التي بلغت نهاية مسيرتها العملية تفقد روح المبادرة والطموح، مما يجعل استمرارها في القيادة عائقًا نفسيًا وتنظيميًا أمام التطوير.

وفي المقابل، أشار المقال إلى الفراغ المؤسسي الناتج عن ضعف التدريب والبعثات وتأهيل الكوادر، وهي نقطة مركزية تُظهر أن الحل لا يكمن فقط في تغيير الأشخاص، بل في بناء نظام إداري يقوم على التطوير المستمر وتناقل الخبرات بين الأجيال.

كما تميز المقال بلمسة إنسانية واقعية عند حديثه عن صدام الأجيال داخل المؤسسات، ذلك الصدام بين حماس الشباب وجمود الكبار، وهو مشهد يومي في معظم المؤسسات السودانية. لقد استطاع الكاتب أن يصوغ هذا التوتر بلغة رصينة تحافظ على الاحترام للكبار، وتُطالب في الوقت ذاته بحق الشباب المشروع في أن يكونوا جزءًا من صناعة القرار لا مجرد منفذين له.

ويختم المقال بنداء إصلاحي واضح: أن تُبنى ثقافة جديدة في مؤسسات الدولة على فضيلة التنازل حين تغيب الكفاءة، واحترام السن القانونية للخدمة، وإعطاء الفرصة للشباب المؤهلين. إنها دعوة إلى إدارة تتنفس الحياة، لا تكرر الماضي، وتستبدل التحايل بالمسؤولية، والجمود بالإبداع.

📘 في الختام، يرى موقع "مستشارك القانوني | Your Legal Advisor" أن هذا المقال يمثل صرخة وعي قانونية وإدارية ناضجة، ويستحق أن يُدرّس كنموذج في كيفية المزج بين التحليل القانوني، والقراءة الإدارية، والنقد البنّاء.

إنه ليس مجرد مقال عن "الكوادر"، بل عن مستقبل الإدارة في السودان، وعن الحاجة الملحّة إلى ثقافة مؤسسية جديدة قوامها النزاهة، والتنازل الواعي، وإعلاء المصلحة العامة فوق كل اعتبار شخصي أو شكلي.

الخاتمة

إن أزمة الكوادر في السودان ليست مجرد مشكلة نقص في الأعداد، بل أزمة في الثقافة الإدارية ذاتها. فالتمسك بالمناصب رغم ضعف الخبرة أو بلوغ سن المعاش، وغياب التدريب، وتجاهل طاقات الشباب، كلها عوامل تُضعف المؤسسات وتقتل روحها. الطريق للخروج من هذه الدائرة يبدأ من تعزيز فن التنازل عن الإدارة وربطه بالمسؤولية الوطنية، مع إعطاء الخريجين والشباب فرصتهم العادلة في القيادة والتجديد.





Your Legal Advisor مستشارك القانوني
Your Legal Advisor مستشارك القانوني
تعليقات