تغوّل التخصصات الفنية على الإدارة و تنازع الاختصاص
تنويه: المعلومات الواردة في هذا المقال لأغراض تعليمية واستشارية واخباريه فقط، ولا تُعد بديلاً عن استشارة محامي معتمد✍️ إعداد: مستشار /مصعب عادل
مستشار قانوني بوزارة العدل
مقدمة
في واقع مؤسساتنا – سواء كانت عامة أو خاصة – بنشوف ظاهرة واضحة: أصحاب التخصصات الفنية زي الأطباء، المهندسين، المحاسبين وغيرهم بيحاولو يدخلوا مجال الإدارة ويمارسوا مهام قيادية وتنظيمية ما جزء من اختصاصهم. الظاهرة دي بتتكرر بشكل مقلق لأنها بتؤدي إلى تنازع اختصاص بين الإداريين والفنيين، وبتضعف الأداء العام للمؤسسة.
جوهر المشكلة
التخصصات ما متشابهة، بل مختلفة:
الفني: عمله دقيق ومحدد، الطبيب ما بيقدر يتجاوز التشخيص والعلاج، المهندس شغله التصميم والتنفيذ، المحاسب ضبط الحسابات.
الإداري: عمله قيادة وتخطيط وتنظيم ورقابة، وهو محتاج تأهيل إداري، مش مجرد خبرة فنية.
ونفس الفكرة بالعكس: زي ما ما معقول إداري يعمل عملية جراحية لمريض أو يرسم خريطة هندسية لمشروع، برضو ما معقول فني يتجاوز مجاله ويدخل في الإدارة بدون تأهيل. الكل عنده مكانه المحترم في المنظومة، لكن الخلط بينهم بيخلق الفوضى.
الأساس القانوني
القوانين السودانية ما سايبة الموضوع بدون معالجة:
قانونين الخدمة المدنية القومية نصت علي ان "يحدد الاختصاص الوظيفي لكل وحدة عامة بما يحقق مبدأ التخصص وتقسيم العمل."
وعلي ان "يكون شغل الوظائف العامة على أساس الكفاءة والتأهيل العلمي والعملي."
النصوص دي واضحة: أي زول لازم يلتزم بمجال اختصاصه. والإداريين وحدهم المخولين قانوناً لممارسة الإدارة. حتى القضاء الإداري السوداني استقر على أن أي قرار يصدُر من جهة غير مختصة يعتبر باطل.
الأساس الشرعي والفكري
الإسلام ذاته سبق وأكد المعنى دا: "إذا وُسِّد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة".
المدارس الإدارية الحديثة زي هنري فايول وماكس فيبر قررت أن الإدارة علم مستقل له قواعده ومبادئه زي أي علم آخر.
الآثار السلبية للتغوّل
هدر الموارد بسبب قرارات غير مدروسة إداريًا.
ضعف الأداء المؤسسي وتراجع مستوى الخدمات.
صراعات داخل المؤسسة نتيجة تضارب السلطات.
فقدان ثقة العاملين والمتعاملين مع المؤسسة.
الحل
المطلوب مش إقصاء ولا صراع بين الإداريين والفنيين، المطلوب تكامل:
الفني يتفرغ للإبداع في تخصصه.
الإداري يتفرغ للتخطيط والتنظيم والرقابة.
الكل يشتغل في مجاله، والنتيجة مؤسسة قوية وفاعلة.
📌 الخلاصة:
زي ما الطبيب ما بيقدر يكون مهندس، والمهندس ما بيقدر يكون جراح، الإداري برضو ما ممكن يتجاوز دوره ويمارس شغل التخصصات الفنية. وبالمقابل الفني ما لازم يتغول على الإدارة. النجاح الحقيقي للمؤسسات مرهون بالاحترام المتبادل للتخصصات والتقيد بالنصوص القانونية.
💬 تعليق موقع مستشارك القانوني | Your Legal Advisor:
يُعد هذا المقال من الإسهامات الثرية التي تناولت بإتقان وجدية إحدى القضايا الإدارية الحساسة في بيئة العمل السودانية، وهي قضية تغوّل التخصصات الفنية على الإدارة وتنازع الاختصاص بين الفنيين والإداريين.
الكاتب المستشار مصعب عادل قدّم معالجة متعمقة تجمع بين الرؤية القانونية والواقعية، موضحًا أن هذه الظاهرة — التي أصبحت متكررة في مؤسساتنا العامة والخاصة — ليست مجرد اختلاف تنظيمي، بل هي مشكلة هيكلية تمس كفاءة الأداء المؤسسي وتؤثر على سلامة القرارات.
أبرز ما يميز هذا المقال أنه لم يكتفِ بوصف الظاهرة، بل ربطها بالأُطر القانونية التي تنظمها، إذ استند إلى قوانين الخدمة المدنية القومية التي نصّت بوضوح على مبدأ تحديد الاختصاصات وتقسيم العمل، وعلى أن تولي الوظائف العامة يجب أن يكون على أساس الكفاءة والتأهيل العلمي والعملي.
وهذا تأكيد صريح بأن ممارسة المهام الإدارية من قبل غير الإداريين تُعد تجاوزًا لا سند له من القانون، وتؤدي إلى صدور قرارات غير مشروعة قد يُحكم ببطلانها من قبل القضاء الإداري السوداني، الذي استقر قضاؤه على أن “ما بني على باطل فهو باطل”.
كما تميز المقال بإضاءته الشرعية والفكرية من خلال الاستدلال بالحديث النبوي الشريف «إذا وُسِّد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة»، وهي قاعدة أخلاقية تؤكد أن التخصص والتأهيل من ركائز العدالة الإدارية والحوكمة الرشيدة، وأن منح المناصب لغير المؤهلين هو فساد في جوهره قبل أن يكون مخالفة قانونية.
من الزاوية الإدارية الحديثة، أشار المقال بذكاء إلى أن الإدارة ليست مجرد موقع وظيفي بل هي علم وفن، له أدواته ومبادئه التي وضعها علماء الإدارة الكبار مثل هنري فايول وماكس فيبر، الذين أكدوا أن الإدارة تقوم على التخطيط والتنظيم والتوجيه والرقابة، وكلها مهارات لا تُكتسب إلا بالتأهيل والتجربة الإدارية المباشرة.
وفي تحليله الواقعي، كشف المقال عن مجموعة من الآثار السلبية الخطيرة لتغوّل التخصصات الفنية على الإدارة، مثل ضعف الأداء المؤسسي، وتضارب القرارات، وهدر الموارد، وخلق بيئة عمل متوترة نتيجة تضارب السلطات وفقدان الثقة بين المستويات الوظيفية.
وما يجعل هذا الطرح متميزًا هو أنه لا يقف عند حدود النقد، بل يقدم رؤية إصلاحية متوازنة تقوم على مبدأ التكامل لا الإقصاء، فالمؤسسة القوية هي التي يُبدع فيها الفني في مجاله ويتفوق الإداري في قيادته، ضمن منظومة متكاملة تحترم حدود كل تخصص وتستند إلى مبدأ الكفاءة.
خلاصة المقال كما ورد في رؤية الكاتب:
النجاح المؤسسي الحقيقي لا يتحقق إلا عندما نحترم التخصص ونفصل بين المهام الفنية والإدارية دون تعارض، فالإدارة ليست امتدادًا للتخصص الفني، بل هي علم مستقل يتطلب مؤهلاته الخاصة.
وبهذه الرؤية المتعمقة، استطاع الكاتب أن يوجه رسالة توعوية مهمة إلى القيادات الإدارية في القطاعين العام والخاص، مفادها أن احترام التخصصات ليس ترفًا تنظيميًا، بل هو واجب قانوني ومبدأ أخلاقي وأساس لحوكمة المؤسسات الحديثة.