أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

📁 آخر الأخبار

تطور وضع المستشار القانوني في وزارة العدل السودانية: دراسة تحليلية دستورية

تطور وضع المستشار القانوني في وزارة العدل السودانية: دراسة تحليلية دستورية

تنويه: المعلومات الواردة في هذا المقال لأغراض تعليمية واستشارية واخباريه فقط، ولا تُعد بديلاً عن استشارة محامي معتمد


بقلم:  مصعب عادل

المستشار القانوني بوزارة العدل 

مقدمة 

يشكل المستشار القانوني في وزارة العدل ركيزة أساسية لضمان سيادة حكم القانون وحماية الحقوق والمصلحة العامة في الدولة السودانية. ويهدف هذا المقال إلى تتبع تطور وضع المستشار القانوني عبر الوثائق الدستورية المختلفة منذ استقلال السودان وحتى التعديلات الدستورية الأخيرة، مع تحليل دورهم وفق النصوص القانونية ومبادئ الفقه الدستوري.

1. دستور السودان المؤقت 1956م

صدر عقب الاستقلال مباشرة، وكان هدفه الأساسي هو تنظيم الحكم الذاتي وتوزيع السلطات بين البرلمان ومجلس الوزراء والقضاء.

وزارة العدل: لم يُنص عليها صراحة، لكنها كانت ضمن مجلس الوزراء كوحدة تنفيذية.

المستشار القانوني: غائب في النصوص الدستورية، ووضعه القانوني اعتمد على القوانين العادية ولوائح الخدمة المدنية.

تحليل الباحث: في هذه المرحلة، كان دور المستشار القانوني إداريًا وتنفيذيًا بحتًا، دون أي ضمانات دستورية أو استقلال مهني. ومع ذلك، بدأ يظهر الدور العملي للمستشارين في تقديم المشورة القانونية للوزير وحماية حقوق الدولة ضمن الإطار الإداري.

 المصدر: دستور السودان المؤقت 1956م، المواد المتعلقة بمجلس الوزراء والسلطة التنفيذية.

2. دستور السودان المؤقت 1964م

صدر بعد ثورة أكتوبر 1964م، وكان دستورًا انتقاليًا يهدف لإعادة الحكم المدني.

وزارة العدل: بقيت ضمن مجلس الوزراء كوحدة تنفيذية.

المستشار القانوني: لا ذكر له في النصوص، وظل دوره مرتبطًا بالقوانين العادية.

تحليل الباحث: يعكس استمرار الوضع التقليدي، إذ لم يتم الاعتراف بالمستشارين كمؤسسة مستقلة، وظل عملهم إداريًا يواكب قرارات الوزارات، دون أي حماية دستورية أو تنظيم مؤسسي واضح.

المصدر: دستور السودان المؤقت 1964م، المواد الخاصة بالسلطة التنفيذية.

3. دستور السودان 1973م (دستور مايو)

تميز هذا الدستور بتنظيم أكثر تفصيلًا للسلطات، مع تأكيد استقلال القضاء.

وزارة العدل: ذكرت ضمن السلطة التنفيذية دون أي مكانة خاصة أو صلاحيات مميزة.

المستشار القانوني: لم يرد ذكره مباشرة، لكن استقلال القضاء وفر إطارًا عامًا لممارسة مهامهم القانونية.

تحليل الباحث: رغم غياب النص المباشر، بدأ المستشارون القانونيون يمارسون دورًا مؤثرًا في حماية الحقوق العامة والخاصة ضمن وزارة العدل، من خلال تقديم النصح والمساعدة القانونية، والمشاركة في صياغة المراسيم واللوائح الإدارية، مع الالتزام باللوائح والقوانين العادية.

 المصدر: دستور مايو 1973م، الفصول الخاصة بالقضاء والسلطة التنفيذية.

4.دستور السودان الانتقالي 1985م 

صدر بعد ثورة أبريل 1985م، وكان دستورًا انتقاليًا لإعادة الحكم المدني.

وزارة العدل والمستشار القانوني: لم يتم تنظيمها دستوريًا، لكن النصوص القانونية المتعلقة بالوزارة، مثل المادة 46 من قانون تنظيم وزارة العدل لسنة 1983م، أكدت حماية استقلال المستشارين القانونيين أثناء أداء مهامهم.


تحليل الباحث: الدستور لم ينظم الوضع الدستوري للمستشارين، لكنه فتح الباب لتعزيز استقلالهم عبر القوانين العادية، ما اعتُبر خطوة نحو حماية سيادة القانون.


5. دستور السودان 1998م

حقق تطورًا مهمًا من خلال منح منصب المستشار القانوني للحكومة غطاءً دستوريًا.

حصر المنصب في وزير العدل وحده.

لم يتم الاعتراف بالمستشارين الآخرين كمؤسسة مستقلة.

تحليل الباحث: خطوة مهمة نحو الاعتراف الدستوري، لكنها شخصنة الوظيفة، مما حد من استقلالية بقية المستشارين، وجعلهم يعتمدون على سلطة الوزير بشكل مباشر. كما بدأ يظهر دور الوزير كمرجع قانوني أول للدولة في تقديم النصح والمشورة القانونية ومراقبة الأعمال القانونية الحكومية.

 المصدر: دستور السودان 1998م، المادة 112/2.

6. دستور السودان الانتقالي 2005م

وسع النصوص الدستورية ليشمل المستشارين القانونيين للدولة، وأكد على واجباتهم بالصدق والتجرد وحماية الحقوق العامة والخاصة.

ربط المستشارين مباشرة بوزارة العدل، مع الاعتراف بمبدأ الاستقلال المهني.

بدأ دورهم يشمل تقديم النصح في مراجعة القوانين، متابعة التحكيم، الدفاع عن مصالح الدولة في التقاضي، وإبداء الرأي القانوني في الاتفاقيات والمعاهدات.

تحليل الباحث: بداية الاعتراف المؤسسي بالمستشارين، مما عزز الرقابة القانونية الوقائية، وأتاح لهم ممارسة دور فاعل في حماية مصالح الدولة والمواطنين، وتقديم استشارات دقيقة في صياغة التشريعات.

المصدر: دستور السودان الانتقالي 2005م، المواد 133 وما يليها.

7. الوثيقة الدستورية الانتقالية 2019م

نصت على أن وزير العدل هو المستشار القانوني للحكومة.

لم تتوسع في تحديد مهام المستشارين أو استقلاليتهم، ما مثل تراجعًا نسبيًا مقارنة بدستور 2005.

تحليل الباحث: بقي دور المستشارين الآخرين مرتبطًا بالقوانين العادية، دون الاعتراف المؤسسي، مع التركيز على دور الوزير كمستشار أول للدولة، وغياب توجيه دستوري مباشر لبقية المستشارين في متابعة الرقابة القانونية.

المصدر: الوثيقة الدستورية الانتقالية 2019م، المادة 38/2.

8. الوثيقة الدستورية المعدلة 2025م

نصت على أن وزير العدل هو المستشار القانوني الأعلى للدولة، وله الولاية على أعمال الدولة القانونية، بما في ذلك مراجعة القوانين وإصلاحها.

أكدت على استقلال المستشارين القانونيين وأداء واجباتهم بصدق وتجرد وفق القانون.

تحليل الباحث: يمثل هذا التطور انتقالًا من الشخصنة إلى المؤسسية، ويضمن للمستشارين دورًا مؤسسيًا فعالًا في تحقيق العدالة والرقابة القانونية الوقائية، وحماية الحقوق والمصلحة العامة. كما أصبح للمستشارين القدرة على التأثير في صياغة التشريعات واللوائح والسياسات القانونية، بما يعزز مبدأ الحوكمة الرشيدة.

 المصدر: الوثيقة الدستورية المعدلة 2025م، المادة 33أ.

خلاصة عامة

يظهر تطور وضع المستشار القانوني في وزارة العدل السودانية مسارًا تصاعديًا واضحًا

1. من وظيفة إدارية تقليدية تعتمد على القوانين العادية، دون حماية دستورية أو استقلال مهني (1956 – 1964 – 1973).

2. إلى منصب دستوري محدود مرتبط بالوزير فقط، مع بداية الاعتراف بأهمية دوره في الدولة (1998_1985).

3. ثم الاعتراف المؤسسي والاستقلالي للمستشارين القانونيين ضمن وزارة العدل، مع توسيع مهامهم لتشمل الدفاع عن مصالح الدولة، تقديم النصح في التشريعات، وحماية الحقوق العامة والخاصة (2005 – 2025).

ويعكس هذا التطور حرص الدولة على تعزيز حكم القانون، استقلال الجهاز القانوني، وفعالية الرقابة القانونية، مع ضمان أن يكون المستشار القانوني عنصرًا محوريًا في حماية المصلحة العامة.



Your Legal Advisor مستشارك القانوني
Your Legal Advisor مستشارك القانوني
تعليقات